رأس "ابن هانئ"..البركة على ضفته وبين أمواجه..

ميناء صغير توارثت أمكنته الضيقة العديد من العائلات التي عايشت أحواله
وأوقاته على مدار مئات من السنين الماضية، فأراضيه الخضراء الصغيرة التي
تجاور خجل الأمواج المتكسرة على صخوره المنتشرة على طول شاطئه، بعض منها
انبسط تضاريسياً ليمنح منها ميناءً صغير يستخدم لأعمال الصيد البحري
بأنواعه المعروفة والتقليدية المتوارثة عبر الأجيال المتعاقبة على هذا
المكان.







أكثر من 40 قارب صيد صغير يقوم عليها أكثر من 500 شخص يعيشون فقط
ضمن طقوس ممارسة مهنة الصيد البحري وأنواعه رجالاً ونساء منذ مئات السنين،
فالعائلات التي تعيش حالياً في رأس "ابن هانئ" هي عائلات لها تاريخها
الطويل من العمل المضني والمستمر في مهنة الصيد البحري أمثال عائلة
"الصهيوني"، "الشعار"....



تسمية الرأس بهذا الاسم يحدث موقع elatakia عنها إمام مسجد "ابن هانئ" الشيخ "هيثم خليل" يوم الأربعاء الموافق لـ5/3/2009 فيقول:



«المسجد يحتضن ضريح الصحابي الجليل "المسعود ابن أم هانئ" أخت الإمام علي
ابن أبي طالب كرم الله وجهه، حيث يزور الضريح العديد ممن يودون إيفاء بعض
النذور أو التبرع للفقراء أو حتى التبرك بمقام من يرقد في هذا المكان».



ويتابع الشيخ "خليل" «يرجح بعض المؤرخين إلى أن وجود قبر هذا الصحابي
الجليل هنا هو استشهاده في بعض الغزوات والفتوحات التي كان يشارك بها وربما
خلال إبحارهم ومرورهم بالقرب من هذه الرقعة

بعض الصيادين وهم يعدون رحلة الصيد

من الأرض».



أما عن طبيعة عمل سكان المنطقة وما يميز حياتهم الاجتماعية فيقول "الشيخ خليل":



«يعيش أهل هذا المكان معتاشين على ما ينتج لهم جراء صيدهم للسمك في جميع
أوقات اليوم ليلاً ونهاراً، تاركين وراءهم نساءهم ليساعدنهم بفك عقد الشباك
وتجهيزها للأيام قادمة، فالجميع هنا يعمل بالصيد ولا شيء يلهيهم عنه
أبداً».



وبين مراكب الصيد التي بدأت مصابيحها تنير مقدمتها لكي تسير في رحلتها
أثناء تواجدنا ضمن برنامج زيارتنا، التقى موقعنا مع بعض الشباب الذين
يتحضرون للإبحار بحثاً عن قوت يومهم وطعام ذويهم، فيقول الشاب "محمد
صهيوني": «البحر هو الفضاء الوحيد الذي ولدت على أطرافه، آكل منه وأعيش
قريباً من أصوات أمواجه، بدأت العمل بالصيد مع أبي على قارب صيد صغير كان
قد ورثه أبي عن جدي وكما ترى إلى الآن أنا أمارس هذه المهنة المليئة
بالمخاطر والأحداث الغريبة».



صديق "محمد" وابن قريته وجاره الشاب "مصطفى" روى لنا مدى حبه لرأس "ابن

قبر الصحابي الجليل.

هانئ" وعمق ارتباطه بأرضه ومكان إقامته حيث قال: «لا أستطيع أن أتخيل
أن المشروع الذي ستحدثه شركة "الديار" القطرية على أرض الرأس سوف يبعدنا
عن منازلنا القديمة ورائحة الذكريات والحكايات التي رافقت حجارة الميناء
القديم الذي عايش المئات ممن رحلوا وتركوا على رماله أجمل التواقيع
والعبارات، فلذلك وحسب وما يتردد بين الناس سوف يعاد تأهيل الميناء من قبل
نفس الشركة وسوف نعوض ببيوت أخرى منظمة ضمن خطة المشروع السياحي المراد
إقامته».



أم "عبد الله"، أم لأربعة شبان يعملون بالصيد مع زوجها تستيقظ عند الصباح
باكراً من كل يوم لتنتظرهم عند شاطئ البحر وهم عائدين من رحلة الصيد
الليلية، موقعنا التقاها لتحدثنا عن حياتهم كعائلة ضمن هذا المكان فتقول:



«خلقت هنا وأيضاً زوجي، أي صياد وأيضاً زوجي وأبيه، أولادنا لم يتعلموا بل
اختاروا مهنة أجدادهم وآبائهم، الجميع هنا يحب الآخر على الرغم من صعوبة
الحياة التي تعتمد بشكل كبير ورئيسي على مردود الصيد وانتظار

مسجد ابن هانئ2

الرزق المكتوب للصياد ضمن صفحات الأمواج
المتكسرة، نحن النسوة نبقى نعد الشباك ونحلل عقدها ونصلح التالف منها بعد
أن تعلمنا من رجالنا أغلب فنون إعداد أدوات الصيد وطرق تجهيزها للعمل، وعند
عودتهم من رحلات الصيد التي تمتد لأيام أحياناً نجلس نفرز الأسماك ونعدها
للنقل إلى ساحة بيع السمك حسب أحجامها وأنواعها والطلب عليها».



لم نكتف بزيارتنا بدراسة الواقع الاجتماعي لأهل المنطقة وحسب بل اتجهنا
مباشرة إلى الأستاذ الباحث "جمال حيدر" مدير آثار اللاذقية ليعلمنا أسرار
هذا الرأس ومدى أهميته حيث قال: «رأس "ابن هانئ" يحتوي على تل يدعى باسم
المكان، تم اكتشافه مصادفة عام 1975 عندما كانت الآليات الثقيلة تؤسس في
الموقع لتشييد فندق الميرديان وعلى أثره تم نقل موقع الفندق وخصص موقع
الاكتشاف ليكون خاصا بأعمال التنقيب فقط، ولاحظ الباحثون بأن الموقع شابه
مدينة أوغاريتية ثانية وجديدة ولكن بتخطيط عمراني منظم وفسيح طولها حوالي
الكيلو متر الواحد وعرضها نصف كيلو متر كانت قائمة على ارتفاع 6 أمتار من
سطح البحر».