حديقة "البطرلي".. متنفس اللاذقانيين ودليل زوارهم

ما بين البحر والسهل وأمكنة الخانات العتيقة، هناك مكان اخضر تظلله
الأشجار العالية والمعمرة، وتتوزع بين محطاته المتقاربة مجموعة من الكراسي
القديمة والتي لم تنتزعها رياح وعواصف البحر القريب من حديقة البطرلي
الشعبية.







مر على تلك الكراسي كل من أحب وكل من أراد أن يجلس ويتنفس هواء البحر
النقي ورائحة القديم ممن تركوها وحيدة مع أجيال مرت وأجيال ما زالت تمر
على بقاياها وبلاطتها القديمة هي الأخرى.



عشرات العقود مرت منذ إعلان الحديقة التي تمتد على أكثر من عشرة دونمات في
عمق منطقة الكورنيش الغربي بالقرب من مقاههيه القديمة وخاناته الشهيرة، حيث
أعلنت حديقة البطرلي شعبيةً بكل ما تعنيه بساطتها، فسميت باسم الموجود
بحضرتها الشيخ والقائد البحار "البطرلي"، وهنا لا ننسى أيضا أكثر من 25
شجرة فيكوس معمرة تعيش منذ اكثر من 75 عاما في الحديقة الاقدم والاكثر شهرة
محليا وعربيا وعالميا.



يقول الشاب "احمد مز" احد مرتادي الحديقة، عن الحديقة وسبب محافظتها على
قيمتها الشعبية: «الحديقة تتصل بالبحر، وأصوات البواخر اليوم أثرت على
هدوئها، ولكن هذا لم يغن أبدا عن ما تتميز به تلك الحديقة التي تتصل بعلاقة
حميمية مع اشجارها العالية وكورنيش البحر الغربي ومتحف اللاذقية القديم.



وأيضا لقد شهدت الحديقة خلال السنوات الأخيرة العديد من السهرات الرمضانية
والأمسيات الثقافية في بادرة دفعت إلى تكريس المكان كمنبر للعديد من الفنون
الإبداعية إلى جانب استضافتها كل سبت لسوق الضيعة الذي يحقق إقبالا
جماهيريا واسعا ومعرض الزهور الشهير».



"زينب نداف" تتحدث عما تتذكره في هذه الحديقة لتقول: «مرت سنين على تلك
الذكريات، هناك كان البائعون يلتقون بزبائنهم، هناك ايضا كانت تقام الحفلات
وليالي السمر، هناك كانت تلك الصخور قبيل عزل الحديقة عن البحر، تلاطم
جدار الحديقة وتوحي للجميع بكل لحظات التأمل والجمالية الطبيعية الغير
مشهودة

من الحديقة

قبل ذلك».



المهندس "جمال حيدر" مدير آثار "اللاذقية" تحدث في كتابه "تاريخ اللاذقية"
عن اهمية الحديقة الاشهر في المدينة تاريخيا: «الحديقة كانت تعرف قديما
بحديقة المنشية الشهيرة، وتضم منذ ذلك الحين جامع البطرلي الذي يعتبر واحدا
من أقدم مساجد "اللاذقية"، حيث يعود تاريخ بناءه الى عهد الملك الظاهر
بيبرس حسب لوحة حجرية تعتلي باب غرفة ضريح الشيخ ابو علي البطرلي أمير
البحرية الاسلامية وقد قامت دائرة الآثار بتسجيله ضمن المواقع الاثرية التي
تضمها المحافظة.



كما ان البطرلي المقصود به مسمى الحديقة، فهو مغربي الأصل كان قائدا لأسطول
الظاهر بيبرس وبعد فتحه "اللاذقية" عين نائبا للسلطان فيها وقد نقل جثمانه
لدى وفاته في الاسكندرية عام 1277 بناء على وصيته إلى "اللاذقية" حيث سير
به على ظهر مركب ليدفن في موقعه الحالي لافتا إلى أن السير الشعبية أطلقت
على البطرلي نعوتا وصفات كثيرة منها القبطان والمقدم وأشهرها امير البحار».



المهندس "ياسين حنونة" مدير دائرة الحدائق في مجلس مدينة "اللاذقية" تحدث
لموقعنا عما يميز حديقة البطرلي الشعبية بالمطلق: «إن قرب الحديقة من وسط
مدينة اللاذقية واسواقها الشعبية والهامة فيها ساعد في جعلها محطة شعبية
ومريحة للمارة والقاصدين بالاضافة إلى كونها اشبه بلوحة جمالية ترسمها
أشجار الفيكوس التي يفوق عمرها ثمانين عاما تشكلها في تشابكها مع بعضها
البعض كمظلة طبيعية تحمي النباتات الصغيرة والتزينية التي تنمو في ظلها».



"اشرف رمان" يتحدث عن ما يشعره في حضرة تلك الاشجار وتلك الممكنات
المتوافرة داخل الحديقة الاشهر في "اللاذقية": «اليوم وبعد عناء طويل مع
العمل ومصاعب الحياة، تراك تخطف قدمك

الاستاذ جمال حيدر

لتجلس داخل الحديقة التي تعاني وبراي من العديد من المنغصات الطبيعية
والغير طبيعية، والتي اذا ما تم الالتفات اليها فان الحديقة سوف تعود الى
سابق عهدها كما كانت استراحة الغريب والقريب.



حينما كان تجار خان الدخان (المتحف) يستريحون فيها، وحينما كانت تشكل ملتقى
العشاق والمبدعين والمتعبين ومنصة طبيعية للقاء حميم بحري طبيعية لا تصفه
الوان ولا كلمات».



فنياً وما تتصف به تلك الحديقة يقول المهندس "ياسين حنونة": «دائرة الحدائق
تسعى إلى الحفاظ على البلاط الارضي الأساسي الذي يتركز على الممرات
القديمة في الحديقة بغية المحافظة على الطابع الأثري المميز لها، كما تم
اقتطاع جزء من مساحتها الحالية والتي تمتد على أربعة عشر دونما لإقامة
حديقة نموذجية للاطفال وخاصة بعد أن أضحى المكان ساحة لعدد كبير من
النشاطات الدورية التي تجتذب سنويا أفواج السائحين والسكان المحليين.



وتجري للحديقة اعمال تأهيل بشكل مستمر تشمل تجديد المقاعد والاطراف
الجانبية للممرات الداخلية وشبكة الكهرباء بالكامل اضافة للصيانة الدورية
لنافورات المياه الموجودة فيها وتمديد شبكات مياه خاصة بها وتأمين الإنارة
الكافية استكمالا للمشهد الساحر الذي تمنحه البطرلي للمدينة».



رئيس مجلس مدينة "اللاذقية" المهندس "صديق مطرجي" تحدث عن المشاريع
والاستثمارات التي تنوي البلدية اقامتها لتطوير الحديقة فقال: «قمنا بإجراء
دراسة لاستثمار الحديقة بحيث تصبح كافة الإشغالات فيها نظامية بصورة تلبي
معها احتياجات مرتادي المنتزه الكبير بشكل حضاري يليق بالأهمية التاريخية
للمكان فتم وضع مخططا لتأهيل المكان وتزويده بعدد من المقاصف والخدمات
الإضافية مقابل أسعار رمزية تناسب كافة الشرائح الاجتماعية.



وتتضمن خطة المجلس أيضا مشروعا لإقامة مسرح صغير للاطفال

من الحديقة واشجارها الضخمة

وإنشاء ملاعب خاصة لهم تتناسب مع مساحة الحديقة
إلى جانب طرح عدة أجزاء من أرض الحديقة لزراعتها وفق طرائق عضوية تضفي
المزيد من الأهمية والألق على هذه العلامة الفارقة في المدينة كما تم تخصيص
جزء من الحديقة لإقامة حديقة حيوانات مصغرة في محاولة لإثراء مرافقها
وإرضاء زوارها».



وبالعودة إلى المهندس "حنونة" حيث قال: «بلدية "اللاذقية" اليوم منحت أصحاب
المشاتل فرصة مهمة جدا لعرض منتجاتهم النباتية داخل الحديقة على مدار
العام مجانا، وذلك لاستقطاب المزيد من الزوار، وجاءت هذه البادرة تماشيا مع
ما بدأت به حديقة البطرلي منذ سنوات باستضافة معرض الزهور الشهير».